- ميرا الأشقر
صوره مذهلة... الاماراتي يوسف الحبشي لـ"النهار العربي": عدستي تكشف إبداع الطبيعة ولامرئياتها
من العالم المرئي إلى العالم اللا مرئي، يسافر بنا المصوّر يوسف الحبشي ليعرّفنا من خلال لوحاته التجريدية على تفاصيل لا تراها العين البشريّة لكائنات تعيش بيننا، الحشرات.
هي أكبر مجموعة من الكائنات الحيّة على سطح الأرض ساهمت ولا تزال تساهم في الكشف عن الكثير من أسرار الحياة، وها نحن اليوم ومن خلال عدسة يوسف الحبشي نطلّ على عوالمها الخفيّة وتفاصيلها المبهرة، وجمالياتها الدقيقة.
الحشرات كما لم تروها من قبل وكل ما يرافقها من تفاصيل ساحرة تجريدية، وسر الشغف والعدسة المبدعة في هذا الحوار الخاص مع المصوّر يوسف الحبشي.
1- يوسف الحبشي، أنتَ مختص بتصوير الماكرو. كيف تفسّر لنا هذه التقنية؟
تصوير الماكرو أو التصوير المقربّ هو فرع من فروع التصوير الفوتوغرافي يعنى بتصوير الأجسام الصغيرة والتفاصيل الدقيقة والتي تكاد أن ترى بالعين البشرية. تعتمد هذه التقنية على عدسات خاصة تساعد على التصوير حسب نسب تكبير مختلفة. وحدة التكبير المعتمدة في هذا المجال تدعى بـ X
2- نلتَ جوائز محليّة وعالميّة عدة وأقمت معارض فرديّة ومشتركة كثيرة، كما ونشَرَت منصّات إعلامية كبرى أعمالك منها مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية. أخبرنا عن هذا العالم الذي سحرك وبات يجذبنا من خلال صورك.
يميل الإنسان بالعادة وينجذب تركيزه لكل ما هو غريب وغير مألوف، ولربما كان هذا السبب وراء اهتمامي الأول برؤية تفاصيل أراها للمرة الأولى وعلى غير العادة والمألوف من الكائنات المحيطة.
بالرغم من صغر حجم هذه المخلوقات، إلا أنها تأسر الناظر بتفاصيلها وإبداع تكوينها المتناهي في الصغر والذي يدفعنا للتمعن وإدراك عظمة خلق الرحمن في صغائر مخلوقاته. فكل حشرة قد تحظى بأجنحة مخالفة من حيث التركيب، الشكل، الحجم والألوان عن نظائرها من الحشرات الأخرى.
وهكذا هو الأمر مع كل أجزاء الأجسام الأخرى بدءاً من قرون الإستشعار ومروراً بالأعين والقشرة الخارجية وإنتهاءً بتفاصيل وتركيب الأقدام. ناهيك عن أمور أخرى من التفاصيل الإبداعية والتي تجذب إنتباه الناظرين أكانت نظرة استحسان، تعجب واستغراب بل وحتى الخوف من بعضها!
3- تقول في تعليق على إحدى صورك: "تأسرني التفاصيل الدقيقة والمجهرية بشكل لم أعتد على مشاهدتها أو بتفاصيل مختلفة لما هو محفوظ في ذاكرتي". متى اكتشفت موهبتك، وما هو المحفوظ في ذاكرتك وقررت مع الأيام التعمّق به؟
في الحقيقة، لا زلت أذكر اللحظة والتي قررت من خلالها خوض تجربة تصوير الماكرو من باب الفضول لاستكشاف العالم الدقيق المجهول.
اتخذت قراري بعد فترة وجيزة من امتلاكي كاميرتي الأولى ولم تكن هنالك أي خطط مسبقة أو توجهات معينة تجاه هذا الموضوع، مجرد فضول وحب تجربة تبعه اهتمام وشغف ومن ثم ممارسة وحتى وصولي للتخصص.
منذ لحظة خروجي بلقطاتي الأولى، انغمرت بحب التجربة والتحديات المصاحبة لها وبالتأكيد نتائجها الجديدة لإدراكي. لم تكن النتائج الأولية مبشرةّ، ولكن حب التجربة كانت لها الكلمة الأخيرة في استمراري وخوضي لهذا المجال.
4- ما هي الحشرة التي فاجأتك عن قرب بملامحها وقدراتها، وما هي الحشرة التي لا تحبّ تصويرها أو صوّرتها وخذلتك تفاصيلُها؟
كل حشرة لها صفاتها وتفاصيلها المميزة وملامحها الجميلة.. الغريبة... وحتى المخيفة! ولعل هذا التنوع الغني في التفاصيل بين الصورة والأخرى هو أكثر ما شدّني الى مجال تصوير الماكرو إذ أن لكل صورة ميزة مختلفة عن سابقتها سواء من ناحية التفاصيل أو حتى الألوان. وبالتالي أجد نفسي حتى يومنا هذا متفاجئاً بتفاصيل صور أعمالي الجديدة.
بالرغم من تصويري لأغلب الحشرات إما من جانب علمي أو توثيقي، إلا أن أحد أهداف تصويري هو تحبيب المشاهد للحشرات من خلال فتح نافذة فنية تضم الجانب الإدراكي العلمي وكذلك الأخلاقي. ويتحقق هذا الشيء من خلال تصوير وعرض الصور والتي يستطيع المشاهد الجديد على هذه المادة من تقبلها بسلاسة.
5- كيف تختار اللقطة التي تريد ومتى تولد الصورة؟وأعني هنا الوقت الذي تقضيه في التصوير والمعالجة للحصول على صورة ترضيك.
عندما نتحدث عن تصوير الماكرو، هنالك نوعان من الصور: صور الطبيعة وصور الاستوديو أو المعمل. يقصد بصور الطبيعة أي الصور والتي تم إلتقطاها للحشرة ضمن بيئتها الحقيقية وطبيعتها الأم.
من التحديات المرتبطة بهذا النوع من التصوير صعوبة السيطرة على العوامل الخارجية مثل الرياح والعوائق والمسافة بين المصور والكائن المراد تصويره. بالإضافة الى صعوبة التنبؤ بحركة الحشرة خلال مرحلة التصوير فقد تتغير وضعيتها وبالتالي تختلف الصورة كلياً أو قد تعمد إلى التنقل بين الأغصان أو إلى مواقع يصعب الوصول لها كنوع من الحماية وغيرها من التحديات الأخرى.
في هذا النوع من التصوير، تكمل الصعوبة في الوصول والتغلب على كل العوائق والتي سبق ذكرها، أما مسألة أخذ الصورة فلا تأخذ الكثير من الوقت.
أما في حالة الصور المأخوذة في الأستوديو أو المعمل، فهنا يتمكن المصور من التحكم بالوسائل المحيطة كالخلفية والإضاءة وحتى مساحة التصوير وبالتالي تحكم أفضل من الجانب التقني.
كون الأعمال تغلب عليها تقنية "الفوكس المتراص"، هذا الأمر يجعل مجمل الوقت يذهب لعملية التصوير نفسها، تتبعها عملية دمج الصور بنفس التقنية، وأخيراً مرحلة التعديل على العمل.
إنتاج الأعمال بالعادة يعتبر عملية نوعاً ما معقدة وتستغرق فترات مختلفة تبدأ من يومين وحتى بضعة أيام للخروج بعمل واحد تبعاً لطبيعة الكائن الذي تم تصويره والصعوبات المصاحبة خلال عملية الدمج والتي يتم فيها دمج المئات من الصور.
6- هل تأثرت بأحد المصورين العالميين وهل أنت معجب بمصوّر فوتوغرافي معيّن؟
لا أقتصر بتأثري وإعجابي بنتائج وأعمال المصورين والفنانيين العالميين فقط، فالجمال مسألة قياسية نسبية متواجدة في كل مكان ولكل منا له نظرته الخاصة للجمال وطريقة قراءتها وتفسيرها له. وبالتالي أسخر إعجابي لكل الأعمال الجميلة سواء أكانت لمصورين عالميين أو حتى للمبتدئين على حدٍ سواء.
7- ما هي مشاريعك المستقبليّة؟
حالياً، أقوم بوضع لمساتي الأخيرة على مجموعتي القادمة والتي تختلف إختلافاً كلياً عن كل ما سبق وتم طرحها سابقاً من أعمال الماكرو. لم يتم تحديد موعد حتى الآن للعرض نظراً لجائحة الكوفيد-19 والتي عصفت بالعالم أجمع. كلي تفاؤل بإنقشاع الغيمة وعودة المياة لمجاريها عما قريب بإذن الله.
8- وأخيراً، رسالتك؟
أود أن أوجه رسالة أخلاقية من خلال أعمالي المعروضة بأهمية هذه الكائنات الصغيرة من حولنا وبتقدير وجودها. فلكل منها دور وظائفي حيوي لنا إما بشكل مباشر أو غير مباشر. فلا أحد يستطيع إنكار دور النحل على سبيل المثال في عمليات تلقيح الأزهار وبالتالي إنتاج الثمار وإمدادنا بالمواد الغذائية والتي لولا وجودها لانعدمت كميات ضخمة من المحاصيل الزراعية والتي ستتبعها كوارث غذائية وإقتصادية على المستوى الدولي. كما لا نستطيع إغفال دور العديد من الخنافس والتي تقوم بدور حيوي ومهم جداً في تحليل الأجسام وبالتالي تخليص البيئة من بقايا جيف الحيوانات والعديد من الوظائف المهمة الأخرى.
كما علينا أن لا ننسى أن وجودها يعتبر مصدر غذائي لمخلوقات أخرى وبإنعدامها ستنعدم المادة الغذائية الأساسية لها والتي ستؤدي إما لحدوث طفرات غذائية ستعمل على زعزعة الهرم الغذائي للمملكة الحيوانية أو حتى لإنقراض العديد من فصائلها!
علينا أن نتعلم تقدير جميع المخلوقات بإختلاف أحجامها وأشكالها ووظائفها. فوجودها بالتأكيد مهم لنا إما لأسباب نعلمها، أو لأسباب أخرى لا نزال نجهلها.
Source:
Comments